المخدرات .. خطر داهم
بقلم الدكتور محمد نزار الدقر
التعريف: المخدر لغة من الخدر وهو الضعف والكسل والفتور والاسترخاء يقال : تخدر العضو إذا استرخى فلا يطيق الحركة. وعرف الفقهاء المخدر، أو المفسد(1)بأنه تغطية العقل لامع الشدة المطربة، أي هو ما غيب العقل والحواس من غير نشوة ولا طرب، وذكروا الحشيش مثالاً عليه.
والحقيقة أن هذا التعريف لا ينطبق تماماً على واقع المخدرات والأولى أن تعرف (2)بأنها ما يشوش العقل والحواس بالتخيلات والأهلاس بعد نشوة وطرب وتؤدي بالإعتياد عليها الإذعان لها.
لمحة تاريخية :
إن استخدام المخدرات قديم قدم البشرية(3)وعرفتها أقدم الحضارات في العالم فقد وجدت لوحة سومرية يعود تاريخها إلى الألف الرابعة قبل الميلاد تدل على استعمال السومريين للأفيون وكانوا يطلقون عليه نبات السعادة وعرف الهنود والصينيون " الحشيش " منذ الألف الثالث قبل الميلاد كما ورد في كتاب صيدلة ألفه الإمبراطور شينغ نانج(4)،كما وصفه هوميروس في الأوديسا.
وعرف الكوكائين (4)في أمريكا اللاتينية منذ 500 عام ق.م وكان الهنود الحمر يمضغون أوراقه في طقوسهم الدينية. أما القات فقد عرفه الأحباش قديماً ونقلوه إلى اليمن عام 525 ميلادي.
وفي أوائل القرن التاسع عشر تمكن الألماني سيدترونر من فصل مادة المورفين عن الأفيون وأطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى مورفيوس إله الأحلام عند الإغريق(3).
وفي المشرق الإسلامي يرجح ابن كثير(5)أن الحسن بن الصباح في أواخر القرن الخامس الهجري، الذي كان زعيم طائفة الحشاشين، وكان يقدم طعاماً لأتباعه يحرف به مزاجهم ويفسد أدمغتهم. وهذا يعني أن نوعاً من المخدرات عرفه العالم الإسلامي في تلك الحقبة.
ويرى المقريزي أن ظهور الحشيشة كان في أول القرن السابع الهجري على يد "الشيخ حيدر" من جهلاء المتصوفة وكان يدعوهم بحشيشة الفقراء.
أسباب انتشار المخدرات :
لانتشار المخدرات أسباب مختلفة منها ما يتعلق بطبيعة هذه المواد، أو شخصية متعاطيها والظروف البيئة والحضارة والسياسية الاستعمارية في العالم المعاصر.
نعم .. لقد كان للاستعمار ومخططاته لاستعباد العالم الإسلامي والدول النامية عموماً أثر كبير في انتشار المخدرات على نطاق واسع من أجل السيطرة عليه بشل طاقات الأمة وقتل نفوس أفرادها كما فعلت بريطانيا عندما شجعت على زراعة الأفيون في الهند ومصر وكما فعلت من أجل السيطرة على الصين عندما أوحت إلى عملاتها بزراعة الحشيش في أرضيها والذي مكنها من استعمارها الصين أكثر من ثلاثة قرون (4و6).
ولعل أهم الأسباب الاجتماعية الظروف الصعبة في العمل وانتشار البطالة وكثرة انتشار الأفلام الهابطة التي تروج لها(6) .
والتقليد الأعمى الذي يسيطر على مراهقينا مع الفقر الذي يلجئهم للبحث عمن يعطيه أو يغنيه فيتلقفه أرباب الفساد وتجار الرذيلة .
وفي بحث أجراه الدكتور الطيار(3)على مجموعة من المساجين من متعاطي المخدرات بين فيه أن المشاكل الأسرية والخلاف بين الزوجين كثيراً ما يدفع أفراد الأسرة للجوء إلى المخدرات هرباً من الواقع المؤلم الذي يعيشونه وكذا سوء معاملة الأولاد، أو الإفراط في تدليلهم وتلبية رغباتهم. كما يعتبر سفر أبنائنا إلى الخارج وسرعة التنقل من الأسباب التي سهلت لهم امكانية الحصول على الجنس والمخدر بعيداً عن رقابة الأهل. كما بين أن العمالة الأجنبية هي من أخطر المصائب التي ابتليت بها مجتمعاتنا المحافظة حيث ينقل العمال الأجانب إلى الأسر التي يعيش فيها تقاليدهم وعاداتهم فكان للعمالة الأجنبية باع طويل في تهريب المخدرات والترويج لها.
وهناك ارتباط وثيف بني انتشار المخدرات وانتشار الأمراض المنتقلة الجنس وخاصة الإيدز(4)فهناك حلقة مفرغة بنيهما فتعاطي المخدرات يؤدي إلى انتشار هذه الأمراض، كما أن الإصابة بتلك الأمراض الجنسية يغلب معها إدمان المخدرات.
والأهم من ذلك كله الخواص الدوائية (4) للعقار المخدر والتي تسبب الاعتماد فالإدمان. فاستعمال المنومات يومية يؤدي بعد شهر إلى الإدمان عليها، والحقن الوريدي للعقار أسرع في أحداث الاعتياد من تناوله الفموي. كما أن سرعة الحصول على العقار ترفع نسبة التعاطي والإدمان، كما أن هناك بعض الأمراض النفسية كالاكتئاب والفصام تعتبر من العوامل الهامة المؤهبة للإدمان.
ونحب أن نشير إلى أن ضعف الوازع الديني(3)وعدم اللجوء إلى الله في الشدائد من العوامل الهامة في إحداث الإدمان، ذلك أن الإنسان المتدين بعيد جداً عن جحيم الاعتياد إذ لا يمكن أن تمتد يده إلى المخدر لا بيعاً ولا تداولاً ولا تهريباً لأن طريق المخدرات هو طريق الشيطان ولا يمكن لطريق الرحمن أن يلتقي بطريق الشيطان .
والفراغ عند المراهق الذي لا يقدر قيمة للوقت، وقرناء السوء من العوامل الهامة في الإدمان.
ونحن نرى أن غفلة المشّرع في بعض الدول بتخفيف العقوبات الجنائية عن المدمن حالة ارتكابه لجريمة ما، ساعد على انتشار المخدرات والمسكرات بشكل عام (4).
أنواع المخدرات
للمخدرات أنواع كثيرة وتصنيفات متعددة، وهي حسب تأثيراتها يمن أن تصنف في أربعة أقسـام:
1. مسببات النشوة مثل الأفيون ومشتقاته كالمورفين والهيروئين والكوكائين.
2. المهلوساتكالميسكالين وفطر البينول والقنب الهندي وفطر الأمانين والبلاذون والبنج. وكلا القسمين يجمعهما د. النسيمي تحت اسم المخدرات المكيفة .
3. المخدرات الطبية العامة :وتطلق على مزيلات الألم ومانعات حدوثه سواء ما كان يحقن منها موضعياً ( المخدرات الموضعية) لتمحو الألم الموضعي كالنوفوكائين والليدوكائين وهي لا تحدث اعتياداً ولا تغيب العقل ومنها ما يسمى بالمخدرات العامة التي يزيل حقنها أو استنشاقها حس الألم وبقية الأفعال الإنعكاسية ويحدث فيها النوم والتخدير معاً وتطبق قبل الأعمال الجراحية (مثل الإيتر والكلوروفورم وأول أوكسيد الآزوت وغيرها).
وهناك زمرة تدعى بالمخدرات المنومة، وهي منومات بمقاديرها الصغيرة، ومخدرة بمقاديرها الكبيرة كالكلورال والبنتوتال. وكل المخدرات العامة الطبية تدخل عند الفقهاء تحت اسم المنومات وتأخذ حكمها(2).
4. المنومات (المرقدات) :كالباربيتوريات والبارالدهيد وغيرها.
كما أن بعض الباحثين يقسمها إلى مخدرات كبرى وصغرى (3).
ويعتبرون المخدرات الكبرى ذات الخطورة الكبيرة عند تعاطيها والإدمان عليها كالأفيون والحشيش والمارجوانا والهيروئين وغيرها. أما المخدرات الصغرى فهي ذات خطورة أقل وتمثل جانباً من العقاقير المستخدمة أحياناً في العلاج الطبي وتسبب الإدمان لمتعاطيها عند استخدامها لفترة طويلة كالمنبهات والمهدئات والمنومات، والمسكنات والكوكا وجوزة الطيب وغيرها.
وأخطر هذه المخدرات (7)ما يسبب اعتياد اعتياداً نفسياً وعضوياً كالأفيون ومشتقاته كالمورفين والهيروئين، وأقلها خطراً ما يسبب اعتياداً نفسياً فقط كاكوكائين والأمفيتامين والقات وعقاقير الهلوسة.